ارتعادة ذلك الجسد الصغير، ودقات قلبه التي أصابتك بالضجيج لشده خفقانها، ونظرات الرعب التي باتت جليه في عينه، فكذبت عينيك رؤيتها نافيًا احتمالية حدوث ذلك لطفل عند سماع صوت أبيه. لم يكن ذلك خطأً، ولأُثير المزيد من الدهشة في نفسك دعني أوضح لك أن نسبة كبيرة من الأطفال ينتابهم الرعب بسبب وجود آبائهم بالقرب منهم!
في المقال التالي نشرح باستفاضة النتائج المترتبة على التربية الخاطئة ونشأة علاقة غير سوية بين الأبناء وآبائهم وعلاقتها بتفشي ظاهرة الاكتئاب عند الاطفال، وما قد يؤول إليه الأمر من مخاطر.

مخاطر التربية غير القويمة على الصحة النفسية للأطفال

اضطرابات العلاقات الأسرية من الظواهر المنتشرة في مجتمعاتنا العربية، نتيجة التربية الخاطئة التي نشأت عليها الأجيال السابقة والتي تقوم على العديد من المعتقدات المغلوطة. تسببت التربية غير القويمة في فشل الآباء في تربية واحتواء أبنائهم، فظهر لنا جيل جديد تُشاع به مظاهر الاكتئاب عند الاطفال.
يُفقِد اضطراب علاقة الطفل بأبويه شعوره بالأمان تجاه أقرب الأشخاص إليه، فيفقد بعدها ثقته بنفسه واستحقاقيته للحب والقبول، فيُصبح عرضه للإصابة “بالاكتئاب الحاد” الذي يُعد أكثر الاضطرابات النفسية خطورة.

أسباب شائعة تؤدي إلى اضطراب العلاقة بين الطفل وأبويه

في سبيل تحقيق التفوق الدراسي، أو من أجل التميز في نشاط ما، كثيرًا ما يضغط الآباء أبنائهم نفسيًا وجسديًا لدرجة تُفقدهم طبيعة العلاقة الفطرية التي منحها الله إياهم، والتي من المفترض أن يسودها الحب والألفة، لتنشأ مكانها علاقة أخرى يملؤها الخوف والرهبة من مجرد سماع الطفل صوت أبيه أو رؤيته له.
لا شك أن جميع الآباء يحرصون على نجاح أبنائهم ويُريدون لهم الأفضل، تلك فطرة جبلهم الله عليها، إلا أن الطريقة التي يتبعونها في سبيل ذلك قد تُسبب للأبناء عبئًا نفسيًا لا يستطيعون تحمله في أعمارهم الصغيرة تلك، وعوضًا عن محاولة بذل المزيد من الجهد لتحقيق نجاح أكبر، يُصيبهم اليأس والإحباط ويعزفون عن المحاولة من جديد.

آثار التربية الخاطئة على نفس الطفل

خلال أعوام الطفل الأولى لن يقتصر دور المنزل على الإيواء والسكن، بل يمثل له العالم بأكمله، ودون وعي منه يُسقط كل ما يراه داخل ذلك العالم الصغير على العالم الخارجي وعلى نفسه وحياته في المستقبل.
وإذا حظى بقبول وحب عالمه الصغير، سيحظى بحب وقبول العالم الخارجي، وإن لَفَظه عالمه، ولم يتقبله فلن يحظى بقبول أحد.. فمن يتقبل طفلًا لم يتقبله أبواه؟
عدم الشعور بالقبول والحب غير المشروط من قِبَل الآباء يفقد الطفل شعوره بالطمأنينة والأمان، ليحل بدلًا منهما الشعور بالخوف والقلق المستمر والرغبة في الانعزال وعدم التواصل مع المحيطين، والمزيد من الأعراض التي صنفها الأطباء ضمن أعراض الاكتئاب عند الاطفال.

أعراض الاكتئاب عند الاطفال

يمكنك تمييز إصابة الطفل بالاكتئاب من الوهلة الأولى والتعامل الأول معه، وذلك لاتصاف هذا المرض بمجموعة من السمات والخصال غير المألوفة بالنسبة للأطفال في تلك المرحلة، ومنها:

• قلة النشاط البدني، وعدم رغبة الطفل مشاركة زملائه اللعب.
• فقدان الشغف في ممارسة الأنشطة والألعاب المفضلة لديه.
• الخجل والحياء المفرط، ورهبة الطفل الزائدة من التعامل مع الغير.
• اضطرابات التغذية، التي تتمثل في فقدان الشهية أو تناول الطعام بنهم.
• فقدان القدرة على التركيز والتحصيل الدراسي.
• التوتر الشديد وسرعة الغضب.

يمكنك ملاحظة مدى تشابه أعراض الاكتئاب عند الاطفال السابقة مع أعراض الاكتئاب عند المراهقين الناتجة عن نفس الأسباب، فبالرغم من اختلاف المرحلة العمرية إلا أن الآثار السلبية التي تُخلفها التربية الخاطئة في نفس الأبناء واحدة.

أعراض الاكتئاب عند الاطفال ليست سوى البداية

لن تقتصر إصابة الطفل بالاكتئاب الحاد على حبه للوحدة ورغبته في اعتزال الآخرين، بل تمتد لما هو أكثر خطورة، فقد يدفع شعور الطفل باليأس وعدم محبة الآخرين له إلى إلحاق الضرر بنفسه للفت انتباههم، أو حتى للخلاص من الدنيا التي لم تقبله.

دور المتخصصين في علاج الاكتئاب عند الاطفال

يُعد اللجوء إلى الطبيب النفسي وأخصائي تعديل سلوك الطفل الحل الوحيد من أجل علاج الاكتئاب عند الاطفال، ومساعدة الآباء على التحرر من قيود مفاهيم التربية الخاطئة، والحصول على استشارات تربوية ونفسية سليمة تُساعدهم على تربية أبنائهم على نحو أفضل.

أخيرًا، الأطفال منحة ربانية لا حق انتفاع، لذا ضع في ذهنك مسؤولية الأمانة التي حملك الله إياها وأنك ستُسأل عنها، وامنح أبناءك حبًا غير مشروط كي يستطيعوا الثقة بأنفسهم وتحقيق المزيد من الإنجازات، ويتمكنوا من مواجهة العالم الخارجي بثبات.

إقرأ أيضاً:

ما هي مدة علاج الاكتئاب المتوقّعة؟

ما هي طرق الوقاية من الاكتئاب؟

هل اعراض الاكتئاب الشديد مؤشر خطر؟