هل حدثتك نفسك من قبل أنك لربما تركت باب المنزل مفتوحًا عند مغادرته؟ إن حدث ذلك فبالتأكيد انتابك القلق ولم تهدأ حتى تحققت من الأمر بنفسك، لتراودك بعدها فكرة أخرى: كترك البوتجاز مشتعلًا على سبيل المثال، يُطلق على تلك الحالة “هواجس وأفكار قهرية”.
في بعض الأحيان تطرأ على أذهاننا سلسلة من الأفكار القهرية التي تُجبرنا على القيام بفعلٍ ما، البعض قد يستطيع التخلص منها والبعض الآخر لا يتمكن من السيطرة عليها، أولئك هم “مرضى الوسواس القهري” ممن سيطرت الأفكار المتبعثرة على حياتهم. ولهؤلاء تحديدًا خصصنا السطور التالية للحديث عن كيفية التخلص من الوسواس القهري وعيش الحياة بصورة طبيعية.

تأثير الإصابة باضطراب الوسواس القهري على حياة المُصابين به

القلق حول ما إن كانت الأمور على خير ما يُرام، ووجود الأشياء في وضعها الصحيح قد يكون مفيدًا لك في بعض الأحيان، فهو يضمن بقاءك متيقظًا ومنتبهًا لبيئتك وحمايتها من المخاطر. لكن عندما تُصبح هذه الأفكار متكررة ومتداخلة في تفاصيل حياتك فإنها تُصيبك بالقلق والخوف طوال الوقت وتؤثر على حياتك اليومية وإنجازك لمهامك الوظيفية أو حتى الاجتماعية.

تُعرف تلك الأفكار بـ “الهواجس” التي تُطاردك باستمرار وتُجبرك على فعل بعض الأشياء حتى تسكن قليلًا ومن ثَم تُعاودك مرة أخرى، ولا تتمكن من الخروج من تلك الحلقة المُفرغة حتى تتعلم كيفية التخلص من الوسواس القهري والسيطرة على عقلك.

مظاهر الإصابة بالوسواس القهري… أشباح فكرية تُسيطر على أذهان المُصابين بالاضطراب

لا تقتصر الأفكار القهرية التي تراود مرضى الاضطراب على تلك التي تخص أمانهم وحمايتهم، بل تشمل جوانب حياتهم كافة، والتي تُصنف إلى ثلاث فئات رئيسية، وسواس قهري ديني وفكري وجنسي، يتشعب من كل منها مجموعة من الأفكار القهرية المختلفة.

مظاهر الإصابة بالوسواس القهري الفكري

تختلف الهواجس الفكرية بين شخص وآخر، بعض الناس تراودهم هواجس فكرية تتعلق بالنظافة، ويظهر الأمر جليًا في تكرار غسل أيديهم باستمرار ظنًا منهم بأنها موبوءة بالجراثيم حتى لو غسلوها قبل أقل من دقيقة. منهم من قد يكون مهووسًا بنظافة المكان المحيط به، وتماثله ونظامه الشديد، ومن أجل تخفيف قلقهم، يمكن رؤيتهم وهم يعيدون ترتيب الكتب أو أدوات المائدة أو يقومون بمحاذاة السجاد والوسائد بشكل متكرر.
يعاني مرضى الوسواس القهري الفكري من عدم الشعور بالارتياح في الظروف الطارئة التي تجعل من الوسط المحيط بهم بيئة غير منظمة، ولا تقتصر معاناتهم على أنفسهم فقط، بل يشقون على المحيطين بهم، إذ يسلبونهم حريتهم الحركة بتلقائية خوفًا من تغيير نظام الوسط المحيط بهم.

التأثير السلبي لمُصابي الوسواس القهري على المحيطين بهم

من المساوئ التي يتعرض لها الأشخاص الملازمين لمُصابي الوسواس القهري فقدان الطمأنينة والسكينة، إذ تنتقل إليهم عدوى المُصاب وشعوره بالقلق والريبة وأن هناك شيئًا خاطئًا أو ناقصًا.
تزداد حدّة تلك الحالة بنوعية العلاقة مع المُصاب، إذ تُعاني زوجات المُصاب بالوسواس القهري بدرجة أكبر من زملاء العمل أو أفراد الأسرة الآخرين، وقد يزداد الأمر سوءًا في حال إذا كان المُصاب يعاني من العصبية المفرطة، فينشب عراك بين ساعة وأخرى في حال وجود نقص ما في نظامه الدقيق.

سُبل النجاه من الوسواس القهري الفكري

تعلّم كيفية التخلص من الوسواس القهري وسيطرة المريض على أفكاره السبيل الوحيد للنجاة والحفاظ على علاقته بالأشخاص المقربين منه، وذلك من خلال اللجوء إلى طبيب نفسي يُعيد توجيه دفة أفكار المُصاب إلى مسارها الصحيح، وكيفية انتقاء الأنفع له من بينها والسيطرة على الأفكار المرضية الأخرى.

مظاهر الإصابة بالوسواس القهري الديني

تتوغل الأفكار القهرية في عقل المُصاب بالاضطراب لتمتد إلى الجانب الديني والعقائدي، فقد تراود مرضى الوسواس القهري شكوكًا حول عباداتهم وشعائرهم الدينية -كتلك التي تراودنا في بعض الأحيان بشأن تأديه أركان الصلاة بالكامل أو نسيان أحدها-، لكنها لا تأتيهم مرة أو اثنتين بل بشكل متكرر كلما انتهوا من أداء صلواتهم، وقد تأتيهم في أثناء الصلاة لتسيطر على عقولهم وتفقدهم خشوعهم.

التأثير السلبي للإصابة بالوسواس القهري الديني

تُعد الأفكار القهرية الدينية النوع الأكثر خطورة على عقول المُصابين باضطراب الوسواس القهري في حال إن لم تقتصر على أداء الشعائر الدينية فقط، فقد تتطرق بهم إلى ما هو أبعد من ذلك مثل: الشك في العقيدة وأسس الدين، وقد يمتد الأمر إلى الشك في وجود الله.

كيفية التخلص من الوسواس القهري الديني

مع هذا النوع من الهواجس ينبغي على المُصاب ألا يكتفي باللجوء إلى الطبيب النفسي فقط، بل ينبغي عليه استشارة فقيه متخصص يُعطيه الحكم الديني الذي يمكّنه من تحجيم أفكاره بالأدلة الشرعية، ومن ثَم اللجوء إلى الطبيب للبدء بخطة العلاج النفسي التقليدي.

مظاهر الإصابة بالوسواس القهري الجنسي

تؤدي الأفكار القهرية الجنسية إلى إقبال المُصابين بالاضطراب على ممارسة الجنس ورغبتهم في الحصول على النشوة الجنسية بمعدلات تفوق أضعاف النسبة الطبيعية.
قد يلجأ البعض منهم إلى تفريغ رغبته الجنسية المُلحة من خلال الاستمناء وممارسة العادة السرية، أو الجنس عبر الإنترنت.

تأثير الإصابة بالوسواس القهري الجنسي

في حال عدم قدرة المُصابين على السيطرة على أفكارهم الجنسية ومعرفة كيفية التخلص من الوسواس القهري الجنسي قد يتسبب الأمر في مُضاعفات عدة على صحة المُصاب نتيجة الإفراط في ممارسة الجنس بوسائله المختلفة، وقد يتسبب في كارثة أكبر في حال تعدي المُصاب على شريك حياته بالإكراه لتفريغ حاجته الجنسية.

كيفية التخلص من الوسواس القهري: الخطة العلاجية للسيطرة على الهواجس الفكرية

يسير الأطباء المتخصصون على خطة علاجية محددة لمرضى الوسواس القهري تتضمن جانبين، وهما: العلاج الدوائي، والعلاج المعرفي السلوكي.

أولًا: العلاج الدوائي

كي يستطيع مرضى الوسواس القهري السيطرة على أفكارهم وتخطي المرحلة الأولى من المرض بأمان فهم في حاجة إلى استخدام بعض الأدوية، من بينها مُضادات الاكتئاب.
توصف الأدوية بجرعات مناسبة كي تؤدي وظيفتها المحددة دون أن تُشكل خطرًا على حياة المرضى، فلا داعي للقلق بشأنها.

ثانيًا: العلاج المعرفي السلوكي

يُمثل العلاج السلوكي الجانب الأهم كي يستطيع مرضى اضطراب الوسواس القهري التخلص من أفكارهم، والذي يعتمد على إجراء جلسة بين الطبيب والمريض يُناقشه خلالها حول طبيعة الأفكار التي تراوده ويقيّم مدى صحتها من خطئها وكيفية السيطرة عليها.
قد يتضمن العلاج المعرفي السلوكي حضور جلسات نفسية مع بعض مُصابي الوسواس القهري الآخرين، والتي يقص خلالها كل منهم تجربته مع المرض. تُسهم جلسات علاج الوسواس القهري في دعم ومساندة المرضى بعضهم البعض خلال رحلة التعافي.
مجابهة مخاوفهم وأسوأ النتائج المحتملة لهواجسهم الفكرية افضل علاج للوسواس القهري وأولى الخطوات التي ينبغي أن يمر بها المرضى للتخلص من العدسة المكبرة التي ينظرون من خلالها إلى سفاسف الأمور.

لذا في حال معرفتك لشخص ما يُعاني تلك الأفكار القهرية ينبغي عليك إرشاده نحو كيفية التخلص من الوسواس القهري وتوصيله إلى طبيب نفسي متخصص يساعده على تجاوز الأمر.

كيفية التعامل مع مُصابي الوسواس القهري خلال رحلة العلاج والتعافي

قد يكون التعامل مع شخص مصاب بالوسواس القهري موترًا للغاية، لكن التفكير بأنه لا يحاول أن يكون عبئًا عليك، إنما يتعامل مع قلقه بأفضل طريقة ممكنة قد يُساعدك على تقبل الأمر قليلًا، ولا نعني بذلك تقبل إصابتهم والاستسلام للأمر الواقع، بل تقبل الوضع مؤقتًا حتى انتهاء فترة علاجهم.

قد يكون الأمر شاقًا ويتطلب المزيد من الصبر والجهد حتى يتمكن مريض الوسواس القهري من السيطرة على أفكاره المرضية، لكن النظر إلى النتيجة والخلاص من الأزمة والعيش مع المريض بعد التعافي حياة صحية قد يهون مشقة الطريق.

يمكنك أن تلعب دورًا نشطًا في مساعدة الشخص على التعافي من الاضطراب وذلك من خلال تشجيعه على مواجهة مخاوفه من وقت لآخر. وذلك بعد اللجوء إلى المتخصصين للحصول على استشارات تربوية ونفسية سليمة تتعامل وفقًا لها مع المريض خلال تلك المرحلة الحرجة.

اقرأ أيضاً:

تشخيص مرض الوسواس القهري

أفضل دكتور متخصص في الوسواس القهري

الأمراض النفسية وأعراضها